كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


هذا الحديث قد استبدل به أهل السنة على حصول الشفاعة لأهل الكبائر قالوا لأن الشفاعة تنال كل من مات من أمته لا يشرك باللّه شيئاً كما نص عليه في رواية مسلم وصاحب الكبيرة في ذلك كذلك فوجب أن تناله الشفاعة‏.‏

- ‏(‏حم ق عن أنس‏)‏ ابن مالك وزاد مسلم في آخره فهي نائلة إن شاء اللّه من مات من أمتي لا يشرك باللّه شيئاً‏.‏

2435 - ‏(‏إن لكل نبي ولاة‏)‏ جمع ولي أي لكل نبي أحياء وقرناؤهم أولى به من غيرهم ‏(‏من النبيين وإن وليي أبي‏)‏ يعني إبراهيم الخليل عليه السلام ‏(‏وخليلي ربي‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ وفي المصابيح وإن وليي ربي وهو غلط ولعل من حرفه دخل عليه الدخيل من قوله تعالى ‏{‏إن وليي اللّه‏}‏ والصواب ما ذكرنا واعترضه المظهر بأنه لو كان كذا كان قياس التركيب أن يكون وليي أبي خليلي ربي بغير واو العطف الموجبة للتغاير وبإضافة الخليل إلى ربي ليكون عطف بيان لأبي قال الطيبي‏:‏ والرواية المعتبرة ما في الترمذي وغيره ولو ذهب إلى أن خليلي ربي عطف بيان بلا واو لزم حصول كون إبراهيم أبا النبي ووليه فأتى به بياناً وإذا جعل معطوفاً عليه يلزم شهرته به والعطف يكون لإثبات وصف آخر له على سبيل المدح ثم إنه لا يلزم من قوله لكل نبي ولاة أن يكون لكل منهم أولياء لأن النكرة المفردة إذا وقعت في محل الجمع أفادت الاستغراق‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في التفسير ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ وتمامه عنده ثم قرأ ‏{‏إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي‏}‏ ورواه عنه أيضاً الحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي‏.‏

2436 - ‏(‏إن لكل نبي وزيرين‏)‏ تثنية وزير وهو الذي يحمل أثقال الملك ويلتجىء الأمير إلى رأيه وتدبيره ‏(‏ووزيراي وصاحباي أبو بكر‏)‏ الصديق ‏(‏وعمر‏)‏ بن الخطاب وفيه جنوح إلى استحقاقهما الإمامة من بعده‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ ورواه عنه أيضاً من هذا الوجه أبو يعلى في مسنده فعزوه للفروع وإهماله الأصل غير سديد ثم إن فيه عبد الرحمن بن عمر الدمشقي قال ابن عساكر اتهم في لقاء إسحاق بن أبي ثابت وأورده في اللسان وقال متهم بالاعتزال‏.‏

‏[‏ص 518‏]‏ 2437 - ‏(‏إن لي أسماء‏)‏ وفي رواية للبخاري خمسة أسماء أي موجودة في الكتب السالفة أو مشهورة بين الأمم الماضية أو يعلمها أهل الكتابين أو مختص بها لم يتسم بها أحد قبلي أو معظمة أو أمهات الأسماء وما عداها راجع إليها لا أنه أراد الحصر كيف وله أسماء أخر بلغها بعضهم كما قال النووي في المجموع وتهذيب الأسماء واللغات ألفاً لكن أكثرها من قبيل الصفات قال ابن القيم‏:‏ فبلوغها ذلك باعتبارها ومسماها واحد باعتبار الذات فهي مترادفة باعتبار متباينة باعتبار ‏(‏أنا محمد‏)‏ قدمه لأنه أشرفها ومن باب التفعيل للمبالغة ولم يسم به غيره قبله لكن لما قرب مولده سموا به نحو خمسة عشر رجاء كونه هو ‏(‏وأنا أحمد‏)‏ أي أحمد الحامدين فالأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمداً قال المصنف‏:‏ وتسميته به من خصائصه ‏(‏وأنا الحاشر‏)‏ أي ذو الحشر ‏(‏الذي يحشر الناس على قدمي‏)‏ بتخفيف الياء على الإفراد وبشدها على التثنية والمراد على أثر نبوتي أي زمنها أي ليس بعده نبي قال الطيبي‏:‏ وهذا اسناده مجازي لأنه سبب في حشر الناس لأنهم لا يحشرون حتى يحشر إذ يحشر قبلهم كما في عدة أخبار وقال ابن حجر‏:‏ يحمل أن المراد بالقدم الزمان أو وقت قيامي على قدمي بظهور علامات الحشر إشارة إلى أنه ليس بعده نبي ولا شريعة واستكمل التفسير بأنه يقتضي أنه محشور فكيف يصير به حاشراً وهو اسم فاعل وأجيب بأن استناد الفعل إلى الفاعل إضافة وهي نصح بأدنى ملابسة فلما كان لا أمة بعد أمته لكونه لا نبي بعده نسب إليه الحشر لوقوعه عقبه وقيل معنى القدم السبب أو المراد على مشاهدتي قائماً للّه ‏(‏وأنا الماحي الذي يمحو اللّه بي الكفر‏)‏ أي يزيل أهله من جزيرة العرب أو من أكثر البلاد وقد يراد المحو العام بمعنى ظهور الحجة والغلبة ليظهره على الدين كله ‏(‏وأنا العاقب‏)‏ زاد مسلم الذي ليس بعدي أحمد وللترمذي الذي ليس بعدي نبي لأنه جاء عقبهم وفيه جواز التسمية بأكثر من واحد قال ابن القيم‏:‏ لكن تركه أولى لأن القصد بالاسم التعريف والتمييز والاسم كاف وليس كأسماء المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لأن أسماءه كانت نعوتاً دالة على كمال المدح لم يكن إلا من باب تكثير الأسماء لجلالة المسمى لا للتعريف فحسب ‏(‏تتمة‏)‏ قال المؤلف في الخصائص من خصائصه أن له ألف اسم واشتقاق اسمه من اسم اللّه تعالى وأنه سمي من أسماء اللّه بنحو سبعين اسماً وأنه سمي أحمد ولم يسم به أحد قبله‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏ق‏)‏ في الفضائل ‏(‏ت‏)‏ في المناقب ‏(‏ن‏)‏ في التفسير ‏(‏عن جبير بن مطعم‏)‏ بضم الميم وسمون الطاء وكسر العين‏.‏

2438 - ‏(‏إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فوزيراي من أهل السماء من الملائكة جبريل وميكائيل ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر‏)‏ قال الطيبي‏:‏ فيه دلالة على أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أفضل من جبريل وميكائيل والوزير من الوزر والثقل فإنه يحتمل عن الملك أوزاره قال تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام ‏{‏واجعل لي وزيراً من أهلي‏}‏ انتهى وعدَّ المصنف وزارة هؤلاء من خصائصه‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في التفسير ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري وصححه وأقره الذهبي ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ورواه الترمذي بمعناه من حديث أبي سعيد أيضاً‏.‏

2439 - ‏(‏إن ما قد قدر في الرحم سيكون‏)‏ سواء عزل المجامع أم أنزل داخل الفرج فلا أثر للعزل ولا لعدمه وهذا قاله ‏[‏ص 519‏]‏ لمن سأله عن العزل والرحم موضع تكوين الولد وتخفف بسكون الحاء مع فتح الراء ومع كسرها أيضاً في لغة بني كلاب وفي لغة لهم تكسر الحاء اتباعاً لكسرة الراء كذا في المصباح‏.‏

- ‏(‏ن عن أبي سعيد‏)‏ وقيل أبو سعيد واسمه عمارة بن سعيد أو غيره ‏(‏الزرقي‏)‏ بفتح الزاي وسكون الراء وآخره في نسبة إلى زرق قرية من قرى مرو بها قتل يزدجرد أحد ملوك الفرس خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين‏.‏

2440 - ‏(‏إن ما بين مصر أعين‏)‏ تثنية مصراع وهو من الباب الشطر ‏(‏في الجنة‏)‏ أي في باب من أبواب الجنة ‏(‏كمسيرة أربعين سنة‏)‏ والمراد بهذا الباب الأعظم وما عداه كما بين مكة وهجر وعليه نزل الخبر الآني في مطلع حرف الباء فلا تدافع بين الخبرين كما سيجيء تحقيقه في حرف الميم عند خبر ما بين مصراعين إلى آخره‏.‏

- ‏(‏حم ع‏)‏ وكذا الطبراني ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الهيثمي فيه زريك بن أبي زريك لم أعرفه وبقية رجاله ثقات‏.‏

2441 - ‏(‏إن مثل العلماء في الأرض‏)‏ المثل لغة النظير ثم استعمل في كل صفة أو حال فيها غرابة وهو المراد هنا وقال الحرالي‏:‏ المثل ما يتحصل في باطن الإدراك من حقائق الأشياء المحسوسة فيكون ألطف من الشيء المحسوس فيقع لذلك جالباً لمعنى مثل المعنى المعقول ويكون الأظهر منهما مثلاً للأخفى ‏(‏كمثل النجوم‏)‏ جمع نجم وهو الكوكب المضيء ‏(‏في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر‏)‏ فكذا العلماء يهتدى بهم في ظلمات الضلال والجهل قال في العوارف‏:‏ والهدى وجدان القلب موهبة العلم من اللّه تعالى ‏(‏فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة‏)‏ فكذا إذا ماتت العلماء أوشك أن تضل الناس والطموس كما في الصحاح وغيره الدروس والانمحاء وانطمس الأثر انمحى قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز رجل طامس القلب ميته لا يعي شيئاً ونجم طامس ذاهب الضوء وقد طمس الغيم انتهى‏.‏

- ‏(‏حم عن أنس‏)‏ قال المنذري فيه رشدين ضعيف وأبو حفص صاحب أنس لا أعرفه قال الهيثمي فيه رشدين بن سعد اختلف في الاحتجاج فيه وأبو حفص صاحب أنس مجهول‏.‏

2442 - ‏(‏إن مثل أهل بيتي‏)‏ فاطمة وعلي وابنيهما وبنيهما أهل العدل والديانة ‏(‏فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك‏)‏ وجه التشبيه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح فأثبت المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة وجعلهم وصلة إليها ومحصوله الحث على التعلق بحبهم وحبلهم وإعظامهم شكر النعمة مشرفهم والأخذ بهدي علمائهم فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة وأدى شكر النعمة المترادفة ومن تخلف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان فاستحق النيران لما أن بغضهم يوجب النار كما جاء في عدة أخبار كيف وهم أبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج اللّه بهم على عباده وهم فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم وبرأهم من الآفات وافترض مودتهم في كثير من الآيات وهم العروة الوثقى ومعدن التقى واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم إذ لا يحث على التمسك بغيرهم وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في منا قب أهل البيت ‏(‏عن أبي ذر‏)‏ قال الحاكم صحيح وتعقبه الذهبي فقال فيه مفضل بن صالح واه‏.‏

‏[‏ص 520‏]‏ 2443 - ‏(‏إن مثل الذي يعود في عطيته‏)‏ أي يرجع فيما يهبه لغيره ‏(‏كمثل‏)‏ بزيادة الكاف أو مثل ‏(‏الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم‏)‏ أكله ‏(‏عاد في قيئه فأكله‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وقع التشبيه في التشديد من وجهين تشبيه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء وقال البيضاوي‏:‏ المعنى أنه لا ينبغي للمؤمن أن يتصف بصفة ذميمة يشابه فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها قال ابن حجر‏:‏ وهذا أبلغ في الزجر وأدل على التحريم بما لو قال مثلاً لا تعودوا في الهبة وظاهره تحريم العود في الهبة بعد القبض قال النووي‏:‏ وموضعه في هبة الأجنبي فلو وهب لفرعه رجع وقال أبو حنيفة له الرجوع فيها للأجنبي لأن فعل الكلب يوصف بالقبح لا الحرمة‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2444 - ‏(‏إن مثل الذي يعمل السيئات‏)‏ جمع سيئة وهي ما يسيء صاحبه في الآخرة أو الدنيا ‏(‏ثم يعمل الحسنات كمثل رجل‏)‏ بزيادة مثل أو الكاف ‏(‏كانت عليه درع‏)‏ بدال مهملة قال ابن الأثير‏:‏ زردية ‏(‏ضيقة قد خنقته‏)‏ أي عصرت حلقه وترقوته من ضيق تلك الدرع ‏(‏ثم عمل حسنة فانفكت‏)‏ أي تخلصت ‏(‏حلقة‏)‏ بسكون اللام ‏(‏ثم عمل‏)‏ حسنة ‏(‏أخرى فانفكت الأخرى‏)‏ وهكذا واحدة واحدة ‏(‏حتى تخرج إلى الأرض‏)‏ يعني عمل السيئات يضيق صدر العامل ورزقه ويحيره في أمره فلا يتيسر له في أموره ويبغضه عند الناس فإذا عمل الحسنات تزيل حسناته سيئاته فإذا زالت انشرح صدره وتوسع رزقه وسهل أمره وأحبه الخلق ومعنى قوله حتى تخرج إلى الأرض انحلت وانفكت حتى تسقط تلك الدروع ويخرج صاحبها من ضيقها فقوله تخرج إلى الأرض كناية عن سقوطها‏.‏

- ‏(‏طب عن عقبة بن عامر‏)‏ ظاهره أنه لا يوجد مخرجاً لأعلى من الطبراني ولا أحق بالعزو منه إليه وأنه لا علة فيه والأمر بخلافه أما الأول فقد رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ عن عقبة وأما الثاني فلأن فيه ابن لهيعة‏.‏

2445 - ‏(‏إن مجوس هذه الأمة‏)‏ أي الجماعة المحمدية ‏(‏المكذبون‏)‏ أي القوم المكذبون ‏(‏بأقدار اللّه‏)‏ بفتح الهمزة جمع قدر بفتحتين القضاء الذي يقدره اللّه تعالى كما مر بما فيه ‏(‏إن مرضوا فلا تعودوهم‏)‏ أي لا تزوروهم في مرضهم فإذا كانوا مجوس هذه الأمة فينبغي معاملتهم بالجفاء وترك المؤاخاة والصفاء وحينئذ ‏(‏وإن ماتوا فلا تشهدوهم‏)‏ أي لا تحضرون جنائزهم ‏(‏وإن لقيتموهم‏)‏ في نحو طريق ‏(‏فلا تسلموا عليهم‏)‏ قال الطيبي‏:‏ لفظه هذا إشارة إلى تعظيم المشار إليه وإلى النعي على القدرية والتعجب منهم أي انظروا إلى هؤلاء كيف امتازوا من هذه الأمة بهذه الصفة الشنيعة حيث نزلوا من اوج تلك المناصب الرفيعة إلى حضيض السفالة والرذيلة جعلهم مجوساً لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس القائلين بالأصلين النور والظلمة -يزعمون أن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة وكذا القدرية يضيفون الخير إلى اللّه تعالى والشر إلى الإنسان والشيطان واللّه تعالى خالقهما جميعاً لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه خلقاً وإيجاداً وإلى الفاعلين لهما عملاً واكتساباً‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ عن محمد بن المصفى عن بقية عن الأوزاعي عن ابن جريح عن أبي الزبير ‏(‏عن جابر‏)‏ ‏[‏ص 521‏]‏ ابن عبد اللّه قال ابن الجوزي حديث لا يصح وأطال في بيانه‏.‏ وهذا الحديث مما انتقده السراج القزويني على المصابيح وزعم وضعه ونازعه العلائي ثم قال مدار الحديث على بقية وقد قال فيه عن الأوزاعي والذي استقر عليه أكثر الأمر من قول الأئمة أن بقية ثقة في نفسه لكنه مكثر من التدليس عن الضعفاء والمتروكين يسقطهم ويضعف الحديث عن شيوخهم فلا يحتج من حديثه إلا بما قال فيه حدثنا أو أخبرنا أو سمعت أو عن وقال الذهبي هذا من الأحاديث الضعيفة وفي الباب عدة أحاديث فيها مقال‏.‏

2446 - ‏(‏إن محاسن الأخلاق مخزونة‏)‏ أي محرزة ‏(‏عند اللّه تعالى‏)‏ أي في علمه وفي هذه العندية من التشريف ما لا يخفى ‏(‏فإذا أحب اللّه عبداً منحه‏)‏ أي أعطاه ‏(‏خلقاً حسناً‏)‏ بضم اللام بأن يطبعه عليه في جوف أمّه أو يفيض على قلبه نوراً فيشرح صدره للتخلق به والمداومة عليه حتى يصير بمنزلة الغريزي فإعطاؤه الخلق الحسن آية محبة اللّه له والخلق الحسن الصادر من العبد دليل طيبه المقتضى لمحبة ربه له واللّه تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب كما أن من صدر عنه الخلق السيء دليل على خبثه المقتضي لبغض ربه أعاذنا اللّه من ذلك‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏عن العلاء بن كثير مرسلاً‏)‏ وهو الإسكندراني مولى قريش ثقة عابد‏.‏

2447 - ‏(‏إن مريم‏)‏ بنت عمران الصدّيقة بنص القرآن هي من ذرية سليمان عليه السلام بينها وبينه أربعة وعشرون أباً ‏(‏سألت اللّه أن يطعمها لحماً لا دم فيه‏)‏ أي سائل ‏(‏فأطعمها الجراد‏)‏ تمامه عند الطبراني فقالت اللّهم أعشه بغير رضاع وتابع بينه بغير شياع انتهى‏.‏ ولعل المصنف أغفله ذهولاً وفيه حل أكل الجراد وشرع من قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ما يقرره وقد ورد فيه أخبار منها خبر‏:‏ أحل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد، والكبد والطحال، وبفرض أنه موقوف على ابن عمر فهو في حكم المرفوع كما مر، وخبر الجراد أكثر جنود اللّه لا آكله ولا أحرّمه صريح في حله خلافاً لمن وهمه وإنما لم يأكله لعذر كالضب بل روى أبو نعيم أنه أكله‏.‏

- ‏(‏عق عن أبي هريرة‏)‏ ورواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي وكذا الديلمي‏.‏

2448 - ‏(‏إن مسح الحجر الأسود‏)‏ أي استلامه بيده اليمنى ومثله موضعه ‏(‏والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً‏)‏ أي يسقطانها أو ينقصانها وأكده بالمصدر إشارة إلى تحقق ذلك‏.‏ قال في المصباح كغيره حططت من الدين أسقطت واستحطته من الثمن كذا فحطه وانحط السعر نقص‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ من المجاز حط اللّه أوزارهم وحط اللّه وزرك وانحط السعر انتهى والمراد بالخطايا الصغائر كما هو قياس النظائر وفيه ندب استلام الحجر والركن اليماني لكن الحجر يستلمه بيمينه ثم يقبلها ثم يقبله والركن اليماني يستلمه ثم يقبل يده ولا يقبله ويفعل هكذا في ابتداء كل طوفة والأولى آكد‏.‏

- ‏(‏حم عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه‏.‏

2449 - ‏(‏إن مصر‏)‏ بمنع الصرف للعلمية والعجمة ‏(‏ستفتح‏)‏ أي سيغلب عليها المسلمون ويملكونها قهراً يقال فتح السلطان البلاد غلب عليها وتملكها قهراً ‏(‏فانتجعوا خيرها‏)‏ أي اذهبوا إليها لطلب الربح والفائدة فإنها كثيرة الربح والمكاسب لاسيما الجانب الغربي منها كما هو مصرح به في خبر يأتي وإذا حصلتم على الربح فارتحلوا عنها ‏(‏ولا تتخذوها داراً‏)‏ ‏[‏ص 522‏]‏ أي محل إقامة ‏(‏فإنه يساق إليها أقل الناس أعماراً‏)‏ فإن قلت‏:‏ الآجال مقدرة والأعمال محصية مقدرة فما فائدة الأمر بمنع الإقامة‏؟‏ قلت‏:‏ جائز أن يقال إنه يكون مكتوباً في اللوح أو الصحف أنه إن لم يقم بها عاش طويلاً وإن قطنها أفسد هواؤها مزاجه فهلك ‏.‏

اشتهر على الألسنة في قوله سبحانه ‏{‏سأوريكم دار الفاسقين‏}‏ أنها مصر قال ابن الصلاح وهو غلط نشأ عن تصحيف وإنما قال بعض المفسرين ‏{‏دار الفاسقين‏}‏ مصيرهم فصحفت بمصر ‏(‏تتمة‏)‏ أخرج الطبراني عن ابن عمر مرفوعاً أن إبليس دخل العراق فقضى حاجته منها ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ بيسان ثم دخل مصر فباض فيها وفرح وبسط عبقريه‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً انتهى‏.‏ وزعم ابن الجوزي وضعه وردَّه المؤلف ‏(‏غريبة‏)‏ قال العارف البسطامي‏:‏ مصر شأنها عجيب وسرها غريب خلقها أكثر من رزقها ومعيشتها أغزر من خلقها من لم يخرج منها لم يشبع‏.‏ قال بعض الحكماء‏:‏ نيلها عجب وترابها ذهب ونساؤها لعب وصبيانها طرب وأمراؤها جلب وهي لمن غلب والداخل إليها مفقود والخارج منها مولود‏.‏ وقال تعالى ‏{‏أصلها ثابت وفرعها في السماء‏}‏‏.‏

- ‏(‏تخ‏)‏ يعني تاريخه الصغير كما في الإصابة وظاهر كلام المؤلف أن البخاري خرّجه وأقره وليس كذلك بل قال عقبه لا يصح ‏(‏والبارودي‏)‏ في الصحابة ‏(‏طب وابن السني وأبو نعيم في الطب‏)‏ النبوي وابن السكن في الصحابة وابن شاهين وابن يونس كلهم من حديث موسى بن علي بن رباح عن أبيه ‏(‏عن‏)‏ جده ‏(‏رباح‏)‏ بفتح الراء والموحدة ابن قصير بفتح أوله اللخمي قال ابن يونس عقبة منكر جداً وقد أعاذ اللّه موسى أن يحدث بمثله فهو كان أتقى للّه من ذلك وحكم ابن الجوزي بوضعه وقال البخاري لا يصح وقال ابن السكن في إسناده نظر ولما عزاه الهيثمي للطبراني قال فيه مظهر بن الهيثم وهو متروك وأقر السخاوي ابن الجوزي على دعواه وضعه‏.‏ وقال المؤلف في حسن المحاضرة في إسناده مظهر بن الهيثم قال فيه ابن يونس متروك والحديث منكر جداً وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات‏.‏ إلى هنا كلامه‏.‏

2450 - ‏(‏إن مطعم‏)‏ بفتح فسكون ففتح ‏(‏ابن آدم‏)‏ كنى به عن الطعام والشراب الذي يستحيل بولاً وغائطاً ‏(‏ضرب مثلاً الدنيا‏)‏ أي لدناءتها وقذارتها ‏(‏وإن قزَّحه‏)‏ بقاف وزاي مشددة أي وضع فيه القزح وهو النابل يعني وإن نوبله وكثر أبزاره وبالغ في تحسينه‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ قزح قدرك توبلها وطعام مليح مزيح‏.‏ وفي المصباح القزح كحمل الأبزار وقد يراد بقزحه هنا جعله ألواناً مليحة، ففي المصباح أيضاً القزح الطريق وهو خطوط من صفرة وخضرة وحمرة وما ذكر من أن قزحه مشدداً هو ما ضبطه المصنف بخطه لكن إن كانت الرواية هكذا فمسلم وإلا فالمسموع جواز الأمرين، ففي المصباح وغيره قزح قدره بالتخفيف والتثقيل جعل فيه القزح ‏(‏وملَّحه‏)‏ بفتح الحاء وشد اللام كذا رأيته بخط المصنف، لكن قال المنذري هو بتخفيف اللام أي ألقى فيه الملح بقدر الإصلاح ‏(‏فانظر إلى ما يصير‏)‏ يعني ما يخرج منه‏:‏ كان قبل ذلك ألواناً من الأطعمة طيبة ناعمة وشراباً سائغاً فصارت عاقبته إلى ما ترى، فالدنيا خضرة حلوة والنفس تميل إليها والجاهل بعاقبتها يتنافس في رتبتها ظاناً أنها تبقى أو هو يبقى‏.‏

ما في قوله إلى ما يصير موصولة وعائدها محذوف لأنه جر بمثل الحرف الذي جر الموصول به والتقدير إلى ما يصير إليه ونظر يتعدى‏.‏

- ‏(‏حم طب عن أبي‏)‏ بن كعب قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير غني وهو ثقة وقال المنذري إسناده جيد قوي‏.‏

2451 - ‏(‏إن معافاة‏)‏ مصدر من قوله عافاك اللّه معافاة ‏(‏اللّه العبد في الدنيا أن يستر عليه سيئاته‏)‏ فلا يظهرها لأحد ولا ‏[‏ص 523‏]‏ يفضحه بها ومن ستر عليه في الدنيا ستر عليه في الآخرة كما سيجىء في خبر‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ العفو محو الذنوب والعافية السلامة من الأسقام والبلاء وهي الصحة والمعافاة أن يعافيك من الناس ويعافيهم منك‏.‏

- ‏(‏الحسن بن سفيان في‏)‏ كتاب ‏(‏الوحدان‏)‏ بضم الواو وسكون الحاء المهملة ‏(‏وأبو نعيم في‏)‏ كتاب ‏(‏المعرفة‏)‏ أي معرفة الصحابة من طريق محمد بن عثمان القرشي عن حبيب بن سليم ‏(‏عن بلال بن يحيى‏)‏ قال أبو نعيم ‏(‏العبسي‏)‏ الكوفي صاحب حذيفة ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسله عن حذيفة وغيره قال ابن حجر قلت هو كما ظن فإن حبيب بن سالم معروف بالرواية عنه وهو تابعي معروف حتى قيل إن روايته عن حذيفة مرسلة‏.‏

2452 - ‏(‏إن مع كل جرس‏)‏ بالتحريك أي جلجل يعلق في عنق الدابة أو غيرها من كل حيوان ‏(‏شيطاناً‏)‏ قيل لدلالته على أصحابه بصوته وظاهره العموم فيشمل الجرس الصغير والكبير في نحو أذن أو رجل أو عنق من نحاس أو حديد أو نقد أو غيرها‏.‏

- ‏(‏د عن عمر‏)‏ بن الخطاب قال عامر بن عبد اللّه بن الزبير قال ذهبت مولاة لآل الزبير بابنة لهم إلى عمر وفي رجلها أجراس فقطعها ثم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم يقول‏:‏ فذكره قال المنذري ومولاتهم مجهولة وعامر لم يدرك عمر‏.‏

2453 - ‏(‏إن مغير الخلق‏)‏ بضم الخاء ‏(‏كمغير الخلق‏)‏ بفتحها ‏(‏إنك لا تستطيع أن تغير خلقه حتى تغير خلقه‏)‏ وتغيير خلقه محال فتغيير خلقه كذلك وتأبى الطباع على النافل وهذا يوضح خبر أحمد إذا حدثت أن جبلاً زال عن مكانه فصدق وإذا حدثت أن رجلاً زال عن خلقه فلا تصدق وذلك لأن من تمحضت فيه مادة الخبث فقد طبع على الخلق المذموم الذي لا مطمع في تبدله ومن تمحضت فيه مادة الطيب فقد طبع على الخلق الحسن المحمود الذي لا مطمع في تبدله قال الشريف السمهودي‏:‏ وقد جربت مصداقه الآن فكم أظهر الواحد منهم التوبة عن أخلاق ذميمة بعد بذل الجهد في أسباب إزالتها ثم نكص على عقبيه راجعاً لما كان عليه لاقتضاء خبثهم المستحكم وعظيم بغضهم لأهل الخير سيما ذوي البيوت وأنشد بعضهم‏:‏

وما هذه الأخلاق إلا طبائع * فمنهن محمود ومنهن مذمم

ولن يستطيع الدهر تغيير خلقه * لئيم ولن يستطيعه متكرم

- ‏(‏عد فر‏)‏ وكذا الطبراني والعسكري كلهم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفيه بقية عن إسماعيل بن عياش وقد سبق بيان حالهما‏.‏

2454 - ‏(‏إن مفاتيح الرزق متوجهة نحو العرش‏)‏ أي جهته ‏(‏فينزل اللّه على الناس أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثر كثر له ومن قلل قلل له‏)‏ أي من وسع على عياله ونحوهم ممن عليه مؤونتهم وجوباً أو ندباً أدر اللّه عليه من الأرزاق بقدر ذلك أو أزيد ومن قتر عليهم قتر عليه وشاهده الخبر المار إن اللّه ينزل المعونة على قدر المؤونة وفي خبر آخر إن للّه تعالى ملكاً ينادي كل صباح اللّهم أعط كل منفق خلفاً وأعط كل ممسك تلفاً‏.‏

- ‏(‏قط في الأفراد عن أنس‏)‏ وفيه عبد الرحمن بن حاتم المرادي قال الذهبي ضعيف والواقدي ومحمد بن إسحاق‏.‏

‏[‏ص 524‏]‏ 2455 - ‏(‏إن ملكاً موكلاً بالقرآن فمن قرأ منه شيئاً لم يقوَّمه‏)‏ أي لم يجره على سنن الجادة من رعاية اللغة والإعراب ووجوه القراءات الجائزة وغير ذلك مما يجب في أدائه ‏(‏قومه الملك‏)‏ أي عدله والقوام بالفتح العدل والاعتدال قال تعالى ‏{‏وكان بين ذلك قواماً‏}‏ أي عدلاً وهو حسن القوام أي الاعتدال وقوَّمته تقويماً فتقوَّم بمعنى عدَّلته فتعدَّل كما في المصباح كغيره ‏(‏ورفعه‏)‏ إلى الملأ الأعلى قويماً فظاهره أن الملك واحد لجميع القراء من الخلق ويحتمل على بعد‏:‏ أن لكل قارىء ملكاً‏.‏

- ‏(‏أبو سعيد السماني‏)‏ بشد الميم بخط المصنف وفي التحرير للحافظ ابن حجر السماني بكسر السين المهملة وتشديد الميم وبعد الألف نون معروف منسوب إلى سعد السمان الحافظ الرازي ‏(‏في مشيخته والرافعي‏)‏ إمام الشافعية ‏(‏في تاريخه‏)‏ أي تاريخ قزوين ‏(‏عن أنس‏)‏ في صنيع المصنف إشعار بأنه لم يره لأشهر من هذين في فن الحديث وهو عجب فقد رواه البخاري في الضعفاء عن أنس المذكور باللفظ المزبور وفيه معلا بن هلال قال في الميزان رواه السفيانان بالكذب‏.‏

2456 - ‏(‏إن من البيان لسحراً‏)‏ أي إن منه لنوعاً يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر فإن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقاً فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتفننه في البلاغة وترصيف النظم يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكر فيه والتدبر له حتى يخيل إليه الباطل حقاً والحق باطلاً وهذا معنى قول ابن قتيبة‏:‏ إن منه ما يقرب البعيد ويبعد القريب ويزين الباطل القبيح ويعظم الصغير فكأنه سحر وما ضارعه فهو مكروه كما أن السحر محرم وهذا قاله حين قدم وفد تميم وفيه الزبرقان وعمرو بن الأهيم فخطبا ببلاغة وفصاحة ثم فخر الزبرقان فقال يا رسول اللّه أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب لديهم أمنعهم من الظلم وآخذ لهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك فقال عمرو‏:‏ إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أذنيه فقال الزبرقان‏:‏ واللّه لقد علم مني أكثر ما قال ما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو‏:‏ أنا أحسدك واللّه إنك للئيم الخال حديث المال ضيق العطن أحمق الولد واللّه يا رسول اللّه لقد صدقت فيما قلت أولاً وما كذبت فيما قلت لكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت ولقد صدقت في الأولى والأخرى جميعاً فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إن إلخ قال الميداني‏:‏ هذا المثال في استحسان النطق وإيراد الحجة البالغة قال التوربشتي‏:‏ وحقه أن يقال إن بعض البيان كالسحر لكنه جعل الخبر مبتدأ مبالغة في جعل الأصل فرعاً والفرع أصلاً‏.‏

- ‏(‏مالك حم خ‏)‏ في النكاح والطب ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏ت‏)‏ في البر كلهم ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب رضي اللّه عنه ووهم في المشارق حيث عزاه إلى علي كرم اللّه وجهه فإن البخاري لم يخرجه عنه‏.‏

2457 - ‏(‏إن من البيان سحراً‏)‏ أي إن بعض البيان سحراً لأن صاحبه يوضح المشكل ويكشف بحسن بيانه عن حقيقته فيستميل القلوب كما يستمال بالسحر فلما كان في البيان من صنوف التركيب وغرائب التأليف ما يجذب السامع إلى حد يكاد يشغله عن غيره شبه بالسحر الحقيقي قال صعصعة‏:‏ صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق ‏(‏وإن من الشعر حكماً‏)‏ جمع حكمة أي قولاً صادقاً مطابقاً للحق موافقاً للواقع وذلك ما كان منه من قبيل المواعظ وذم الدنيا والتحذير من غرورها ونحو ذلك فبين المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أن جنس البيان وإن كان محموداً ففيه ما يذم للمعنى السابق وجنس الشعر وإن كان مذموماً ففيه ما يحمد لاشتماله على الحكمة وعبر بمن إشارة إلى أن بعضه ليس كذلك وفيه رد على من كره مطلق الشعر وأصل الحكمة المنع وبها سمي اللجام لأنه يمنع الدابة‏.‏

- ‏(‏حم د عن ابن عباس‏)‏ رضي اللّه تعالى عنه والجملة الثانية في البخاري بلفظ إن من الشعر لحكمة من حديث أبيَّ‏.‏

‏[‏ص 525‏]‏ 2458 - ‏(‏إن من البيان سحراً‏)‏ قال القاضي‏:‏ البيان جمع الفصاحة في اللفظ والبلاغة باعتبار المعنى والسحر في الأصل الصرف قال ‏{‏فأنى تسحرون‏}‏ وسمي السحر سحراً لأنه مصروف عن جهته والمراد به هنا من البيان ما يصرف قلوب السامعين إلى قول الباطل ويروج عليهم ويخيل لهم ما ليس بحق حقاً ويشغلهم بتمويه اللفظ عن تدبر المعنى فيكون صفة ذم ويؤيده ما ورد صريحاً في مذمته ويكون المقصود من الكلام منع الحاضرين عن استعجابه والاغترار به وحثهم على أن يكون مجامع نظرهم في الاستحسان والاستقباح إلى جانب المعنى فإن حسن البيان وإن كان محموداً في الجملة ففيه ما هو مذموم لكونه معرباً عن باطل وجنس الشعر وإن كان مذموماً في الجملة لكنه قد يكون فيه ما هو محمود لاشتماله على حكم ومنه ما يستعذب ويقضى له بالتعجب ويقصر عنه منه العامة كالسحر الذي لا يقدر عليه كل أحد فيكون صفة مدح ويسمى السحر الحلال ‏(‏وإن من العلم جهلاً‏)‏ لكونه علماً مذموماً والجهل به خير منه أو المراد من العلوم ما لا يحتاج إليه فيشتغل به عن تعلم ما يحتاجه في دينه فيصير علمه مما لا يعنيه ‏(‏وإن من الشعر حكماً‏)‏ أكد هنا وفيما مر بأن في بعض الروايات باللام أيضاً رداً على من أطلق كراهة الشعر فأشار إلى أن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح وكل كلام ذو وجهين يختلف بحسب المقاصد وأما خبر الشعر مزامير الشيطان وخبر إنه جعل له كالقرآن فواهيان وبعد الإغضاء عن ذلك محمول على ما كان من غير ذلك القبيل أو على المجازفة والإفراط جمعاً بين الأدلة ‏(‏وإن من القول عيالاً-قال الخطابي هكذا رواه أبو داود ورواه غيره عيلاً قال الأزهري من قولك علت الضالة أعيل عيلاً وعيلاً وعيالاً إذا لم تدر أي جهة تبغيها قال أبو زيد كأنه لم يهتد إلى من يطلب علمه فعرضه على من لا يريده-‏)‏ قال في النهاية‏:‏ هو عرض الحديث على من لا يريده وليس من شأنه كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده اهـ‏.‏ وقال الراغب‏:‏ العيال جمع عيل لما فيه من الثقل فكأنه أراد به الملال فالسامع إما عالم فيمل أو جاهل فلا يفهم فيسأم‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الأدب من حديث صخر بن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه ‏(‏عن‏)‏ جده ‏(‏بريدة‏)‏ بن الحصيب قال عبد اللّه‏:‏ بينما هو - يعني بريدة - جالس بالكوفة في مجلس من أصحابه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره قال‏:‏ فقال صعصعة بن صوحان وهو أحدث القوم سنأ صدق اللّه ورسوله ولو لم يقلها كان كذلك قال فتوسمه رجل من الحلقة فقال له بعد ما تفرق القوم من مجلسهم ما حملك على أن قلت صدق نبي اللّه ولو لم يقلها كان كذلك قال‏:‏ أما قوله إن من البيان سحراً أن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحبه فليسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وهو عليه وأما قوله وإن من العلم جهلاً فهو تكلف العالم إلى علمه ما لا يعلمه فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكماً فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس وأما قوله إن من القول عيالاً فعرضك كلامك من ليس من شأنه ولا يريده قال الحافظ العراقي في إسناده من يجهل‏.‏

2459 - ‏(‏إن من التواضع للّه الرضى بالدون‏)‏ أي الأقل ‏(‏من شرف المجالس‏)‏ فمن هذب نفسه حتى رضيت منه بأن يجلس حيث انتهى به المجلس كما كانت عادة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم سمي متواضعاً للّه حقاً فالفضيلة إنما هي بالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية لا برفعه المواضع ولا بالخلع ولا بالمناصب فلو جلس ذو الفضيلة عند النعال لصار موضعه صدراً وعكسه فليحذر من هذا التنافس المذموم شرعاً فإنه سم قاتل وفي ضمن هذا الحديث الأخذ بمدحة التواضع والأمر به قال بعض العارفين‏:‏ احذر أن تريد علواً في الأرض والزم الخمول وإن أعلى اللّه كلمتك فما أعلاها إلا الحق وإن رزقك الرفعة في قلوب الخلق فذلك إليه تعالى والذي عليك التواضع والذلة ‏[‏ص 526‏]‏ والانكسار فإنك إنما أنشأك اللّه من الأرض فلا تعلو عليها فإنها أمك ومن تكبر على أمه فقد عقها وعقوق الوالدين محرم مذموم‏.‏

- ‏(‏طب هب عن طلحة‏)‏ بن عبيد اللّه قال الهيثمي وفيه أيوب بن سليمان بن عبد اللّه لم أعرفه ولا والده وبقية رجاله ثقات اهـ وأقول فيه أيضاً سليمان بن أيوب الطلحي قال في اللسان صاحب مناكير وقد وثق وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ثم أورد له أخباراً هذا منها اهـ نعم رواه الخرائطي في المكارم وأبو نعيم في الرياض عنه أيضاً قال الحافظ العراقي وسنده جيد اهـ وكان ينبغي للمصنف إيثار العزو إليهما‏.‏

2460 - ‏(‏إن‏)‏ يقال ‏(‏من الجفاء‏)‏ أي الإعراض عن الصلاة جفوت الرجل أجفوه أعرضت عنه أو طردته ‏(‏أن يكثر الرجل‏)‏ ذكره هنا وصف طردي والمراد المصلي ولو امرأة وخنثى ‏(‏مسح جبهته‏)‏ من الحصى والغبار بعد تحرمه و ‏(‏قبل الفراغ من صلاته‏)‏ فيكره إكثار ذلك لمنافاته للخشوع وخرج بالإكثار ما وقع على الندور والكلام في خفيف لا يمنع مباشرة الجبهة للأرض فإن منع وجب مسحه ولم تصح صلاته بدونه‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏ قال الحافظ مغلطاي‏:‏ حديث ضعيف لضعيف هارون بن عبد اللّه بن الهدير التيمي قال البخاري لا يتابع في حديثه وأبو حاتم منكر الخديث وابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به‏.‏

2461 - ‏(‏إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها الصلاة‏)‏ لا الفرض ولا النفل ‏(‏ولا الصيام‏)‏ كذلك ‏(‏والحج ولا العمرة‏)‏ ولم يذكر الزكاة لأن الذي يهتم بمعيشته لا مال له غالباً قيل وما يكفرها‏؟‏ قال ‏(‏يكفرها الهموم‏)‏ جمع هم وهو القلق والاغتمام والحزن كما في الصحاح وغيره ‏(‏في طلب المعيشة‏)‏ أي السعي في تحصيل ما يعيش به ويقوم بكفايته وممونه قال في المصباح وغيره‏:‏ المعيشة مكسب الإنسان الذي يعيش به وإنما صلح ذلك دون غيره لتكفيرها لأن الشيء يكفر بضده كما أن المرض يعالج بضده فالمعاصي القلبية تكفر بالهموم القلبية فيدخل اللّه الهم على القلب ليكفر به ذلك الذنب ومن ثم قيل إن الهم الذي يدخل على القلب والعبد لا يعرفه هو ظلمة الذنوب والهم بها وشعور القلب بوقفة الحساب وهول المطلع لكن قال الغزالي‏:‏ الهم إنما يكفر حقوق اللّه أما مظالم العباد فلا يكفيه فيها إلا الخروج عنها‏.‏

- ‏(‏حل وابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحافظ العراقي في المغني سنده ضعيف ورواه الطبراني في الأوسط والخطيب في تلخيص المشتبه من طريق يحيى بن بكير عن مالك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن حجر وإسناده إلى يحيى واه وقال الحافظ الهيثمي فيه محمد بن سلام المصري قال الذهبي حدث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع قال وهذا مما روي عن يحيى بن بكير‏.‏

2462 - ‏(‏إن من السرف‏)‏ أي مجاوزة الحد المرضي وفي رواية من الإسراف ‏(‏أن تأكل كل ما اشتهيت‏)‏ لأن النفس إذا اعتادت ذلك من صاحبها شرهت ونزقت من رتبة لأخرى فلا يقدر بعد ذلك على كفها فيقع في أعلى مراتب السرف المذموم قال الحجة‏:‏ وأكلتان في يوم سرف وأكلة في يومين تقتير وأكلة في يوم هو المحمود وبين كونها قبيل الفجر وفيه أن السرف في المأكل والمشرب ومثلهما الملبس مذموم وكل من أسرف في ماله أسرف في دينه واللّه تعالى ما أعطى عبداً فوق كفايته إلا لينفق منه بقدر ضرورته ويدفع الفاضل منه للمحتاج أو يرصده له لا ليأكل منه إسرافاً ويدفع ذلك في الكنيف ومن فعل ذلك فقد خالف طريق الحق الذي درج عليه الأنبياء ‏[‏ص 527‏]‏ والمرسلون والأولياء والصالحون ولولا أنه تعالى جعل الإنسان يحتاج للطعام والشراب لكان الأكل إسرافاً وبداراً فإن من يلقي الطعام النفيس في بطنه كمن يلقيه في بطن الخلاء من حيث إتلافه وتنجيسه فافهم وارع حكمة اللّه حق الرعاية وإلا نفرت وقلما تعود‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ من حديث بقية عن يوسف بن أبي كثير عن نوح بن ذكوان عن الحسن ‏(‏عن أنس‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والبيهقي قال المنذري وقد صحح الحاكم إسناده لمتن غير هذا وحسنه غيره اهـ وأقول بقية حاله معروف ويوسف أورده الذهبي في الضعفاء وقال شيخ لبقية لا يعرف ونوح قال في الميزان قال أبو حاتم ليس بشيء وابن عدي أحاديثه غير محفوظة وابن حبان منكر الحديث جداً وساق من مناكيره هذا الخبر اهـ وعده ابن الجوزي في الموضوع لكن تعقب بأن له شواهد‏.‏

2463 - ‏(‏إن من السنة‏)‏ أي الطريقة الإسلامية المحمدية ‏(‏أن يخرج الرجل مع ضيفه إلى باب الدار‏)‏ يعني إلى المحل الذي أتاه فيه داراً كان أو خلوة أو معبداً أو غير ذلك إيناساً وإكراماً له لينصرف طيب النفس وفيه أن المراد بالضيف ما يشتمل الزائر ونحوه وإن لم يقدم له ضيافة‏.‏